الأحد الثاني من زمن المجيء (ج) (أ. مدروس)

الأب بيتر مدروس

سِفر باروك من الكتب اليهودية المقدّسة من العهد القديم الّتي تنكّر لها العبرانيّون بين سنتَي 90 و 130 م بذريعة لسانها اليونانيّ ومنها أسفار المكابيين والحكمة وطوبيا ويهوديت. وفي حين لم يجسر مارتين لوثير على حذفها وهو يحذو حذو اليهود بل وضعها كملحق في طبعته، قام بإلغائها “كارلشتاد” وهو أندرياس بودشتاين سنة 1520 م في كتاب له باللاتينية (!) عنوانه: “في لائحة الكتب المقدّسة”. وهكذا – مرّة إضافيّة، في هذا الشأن، ما خلا اللوثريين السويديين ، على ما اعتقد ، تبعت حركات الاحتجاج الخطّ اليهوديّ واقعة في حبائل العبرانيين بسبب رغبتها في مقاومة الكنيسة ومحاربتها. ونبذت أسفاراً يقتبس عنها العهد الجديد ما لا يقلّ عن أربعين مرّة. فعلاً، اتخذت حركات الاحتجاج النهج اليهوديّ الملخّص بعبارة “لشون هقودش” לשון הקודש رافضة كمعشر العبرانيين كلّ كتابة ما وردت في العبريّة أو الآراميّة. ولكنّ أصل سِفر باروك وُجد في العبرية ، أقلّه أقسام منه. وفي قمران اكتُشفت مخطوطات للفصل السادس منه المعروف أيضاً باسم “رسالة إرميا” .

كان باروك أمين سرّ النبيّ إرميا. يذكر المقطع الذي نطالعه هذا الأحد ( 1 : 5 -7) رجوع المسبيين إلى أرض كنعان. طبعاً، ليس المقصود هنا ولا بأيّ شكل من الأشكال “رجوع اليهود” سنة 1948 إلى فلسطين! فالنصوص تُقرأ في سياقها التاريخيّ والأدبيّ: كلّ هذه النبوات تمّت سنة 538 قبل الميلاد السيّدي المجيد حين قرّر قورش ملك فارس رجوع يهود إلى بلاد كنعان. ويحزن المرء لإصرار قوم العهد القديم ومناصريهم “المسيحيين” على رجوعهم وحقوقهم في حين يرفضون حقّ العودة للاّجئين الفلسطينيين خصوصاً من سنة 1948.

وبصراحة نحن رعاة النفوس والمؤمنين الآخرين العرب نشكر الله أنّ اخوتنا البروتستنت ولا سيّما من رافضي معموديّة الأطفال وسواهم – لا يعترفون بسِفر باروك ، فقط هذه المرّة نقول:”رُبّ ضارّة نافعة!” برفضهم السِفر كلّه لا يطّلعون على هذا النصّ الذي من عادة زعاماتهم الأعجميّة المموّلة لهم والمتعاطفة مع الكيان العبريّ كأنّه تحقيق مشيحاني للملكوت – من عادتها أن “تجيّره” لصالح الصهيونيّة. هكذا وفّر علينا الموقف البروتستنتي السلبيّ من سِفر باروك “وجع الدماغ والقلب”! وكفانا ما نراه ونطالعه من سوء تفسير “مسيحي صهيوني” للنبوّات في كتابات العديد من تلك الجماعات حتّى في العربيّة!

العبرة من سِفر باروك
يدهش المرء من ناحية أخرى لتخلّي العبرانيين عن أسفار المكابيين مع أنهم “يحاربون بسيوف” أولئك الإخوة من بلدة “موديعين” (اليوم مستعمرة مستوطنة كبيرة). ويستغرب المرء أيضاً من التنكر لسِفر باروك في حين يحمل الكثير من اليهود المتشدّدين هذا الاسم. مهما يكن من أمر، فالعبرة من سِفر باروك هي أنّ الخطيئة منفى وجلاء وتشويش للمخطّط الإلهيّ ( 2 :12 ، ثم 3 : 9). والجهل أخو الجهالة أي الخطيئة والطيش . ويشكو قداسة البابا بندكتوس السادس عشر من “الأمّيّة الدّينيّة” عند نفر من المسيحيّين كثير، ومن “دكتاتوريّة النسبيّة” أي الوهم أن لا حقيقة مطلقة، مع اللامبالاة التي باتت تأكل عدداً من جماعاتنا المسيحية المستهترة المستهينة بالديانة! كلّ تلك السلبيّات منفى معنوي وجلاء يا ليتنا نرجع منهما وعنهما في “سنة الإيمان ” ـ كلّ هذه “بابل” الوثنيّة فلنتركها عائدين إلى أرض الإيمان وزهرة المدائن مدينة الآلام والقيامة والصعود والعنصرة، ونحن نقبل البشارة من جديد ونُعلنها للملا!

معموديّة يوحنا بن زكريا لمغفرة الخطايا (لوقا 3 : 1 -6(
يعظ يوحنا توبة نصوحا هي “عودة” و “رجوع” . فعلاً، نطق يوحنا ونطق الرب يسوع بالحرف الواحد كلمة טובו “توبو” في الآراميّة أي “ارجعوا”. ولا يغربنّ عن بالنا أنّ معمودية يوحنا كانت تغطيساً عبريّاً استعداديّاً لمجيء المسيح المنتظر، معمودية فقط بالماء وفقط للبالغين الخاطئين التائبين. وأخذ يسوع تلك المعمودية ليعطينا المثال الصالح متمّما بالتواضع “كل بِرّ”. ولكن يسوع أسس بعدها معمودية جديدة مختلفة جوهريا: ليست معمودية توبة فقط للكبار بل هي ميلاد جديد للصغار والكبار، “من الماء والروح” “بروح القدس والنار” التي تحرق الخطيئة الأصليّة وليس فقط الفعليّة عند الكبار. ولهذا يجب تعميد أطفالنا بأسرع وقت بعد ميلادهم ليصبحوا “أرواحاً” بعد أن وُلدوا “أجساداً” وليروا “ملكوت الله” وقد “وُلدوا من جديد ومن عل”(عن يوحنا 3 : 1 وتابع). وفعلاً عمّد الرسل أطفالاً وقاصرين في إطار تعميدهم للجماهير (أعمال 2 ثم 18 : 8 ب) وتعميدهم لعائلات بكامل أفرادها من صغير وكبير (أعمال 10 قرنيليوس ، أعمال 16 : 14 وتابع ليديا والسجّان، أعمال 18 : 8 أ رئيس الكنيس قرسبوس، ثم قورنثوس الأولى 1 : 16 اسطفاناس(.

خاتمة
نفينا أنفسنا معنوياً، خصوصاً نحن المسيحيين العرب، عن أرض فلسطين المباركة ، عندما شغلنا ذواتنا “بهموم الحياة الدنيا” وثقلت علينا وطأة آثامنا وبتنا نجهل أمور ديننا أو نستهتر به ونستهين. فلنرجعنّ – وعندنا دوماً حقّ العودة وواجب الرجوع – من وثنيّتنا الجديدة ولامبالاتنا وجهلنا في الدين إلى حضن السيّدة العذراء أمّنا والسيّد المسيح حياتنا “وحُبّ شبابنا” الأوّل والى فلسطين الروحانيّة وزهرة المدائن “القدس” عاصمة مسيحيّتنا، “أوّل منزل” .