الأسرة والصّداقة والضّيافة
الأب بيتر مدروس
(تكوين 18: 1- 10، لوقا 10: 38 – 42)
الأسرة هي الأساس وخصوصًا في ترتيبها الأفقيّ اي الوالدان ثم الأولاد. وفي القراءة الأولى زوجان – إبراهيم وسارة- ليست حياتهما سعيدة تمامًا يزورهما الرب أو ملائكته عند بلوطة “ممرا” بقرب حبرون اي الخليل. فالزّوج قانع بمصيره وقد اضطرّ للزواج من جارية كي ينجب منها ابنًا “غير محسوب” تمامًا لأنه “ابن الأمة” هاجر. وسيكون ذلك الطّفل الباكي الشّاكي -كما تعلم والدته- “إنسانا فظًّا وكأنه من الحُمُر الوحشيّة: يده على الكلّ ويد الكلّ عليه” (تكوين 16: 12). والزوجة الأولى غير سعيدة لأنها عاقر أجبرت أن تزوّج زوجها “ضرّة” “والضُّرّة مُرّة ولو كانت عسلاً في الجرّة”!وبما أنّ “ساره” تعني “أميرة”، فالمرء يذكر هنا المثل العامّيّ: “لولا الغيرة لما حبلت الأميرة”. وطال بسارة الانتظار حتى يئست من النسل بتقدّمها في السّنّ.
الضّحك بعد اليأس!
يعلن الرّجُل الغامض لإبراهيم – ولعلّه لسان حال الرجال الثلاثة الذين ظهروا: “في مثل هذا الوقت من السنة المقبلة سآتي إليك ويكون على يد زوجتك سارة ولد!” تضحك المسنّة، وهذا ردّ فعل طبيعيّ عفويّ عليه تُعذَر! وسيُدعى الطّفل “اسحاق” اي “يضحك”: ربّما سيضحك على أخيه غير الشّقيق إسماعيل، وسوف يضحك ابنه يعقوب على شقيقه الغافل “عيسو”. الشّأن هنا أنّ الله حوّل “بكاء سارة ضحكًا وندبها رقصًا” لتسير أمامه في أرض الأحياء” بعد أن كانت ميتة لا نسل منها يُرجى ولا حياة تُنادى!
عجزت أمّنا في الشرق الأوسط وأوروبا “القارة العجوز” وفقدت “القوّة على النسل” إمّا بسبب المجازر أو بسبب ضيق العيش أو الإجهاض – وهو “مجزرة زوجيّة وعائليّة” يقتل فيها الوالدون أولادهم- وهي من ميّزات “الآدميين” الذين فقدوا إنسانيّتهم إذ لا يحاكيهم في هذا الجُرم حيوان. والآن نسأل العزّة الإلهية، ونحن “نسل إبراهيم” – “ونسل إبراهيم هو المسيح” – أن يعطي “العاقر والمتقدّمة في السنّ أولادًا تقرّ بهم عينًا” كما أعطى “بتوليّة العذراء” خصب النسل المبارك!
وسنضحك لا على الآخرين بل معهم! وسنحيا لا على حساب الآخرين ولا على جثثهم – كما فعل بعض الأعاجم في الاستعمار والاحتلال، بل مع الآخرين، وأحدنا يسند الآخر، وخصوصًا لأننا كلّنا نعلّل النفس قائلين: “نحن أولاد إبراهيم!” وهنا سيوبّخنا المعمدان من جديد: “إنّ الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة (في الآرامية “أبانين”) أبناء (“بانين”) لإبراهيم”: هذا إذا استمررنا في سياسة “قلوب الحجارة” التي نراها تفتك بعشرات الآلاف منّا في سورية والعراق وسواهما.
الأسرة: قالت الراهبة لوسيّا – التي حظيت برؤية السيّدة العذراء في بلدة “فاطمة” البرتغال سنة 1917: “أعلنت السيّدة البتول مريم أنّ أشرس معارك إبليس ستكون على الأسرة!” وهذا كلام نراه يتحقّق بالحرف الواحد في ايامنا خصوصًا في الغرب. أمّا في الشّرق فالاسرة المسيحية مهدّدة إمّا بالعقلية الوثنيّة التي تبثّها الأفلام والمسلسلات الأعجمية الهوليووديّة أو بالعقليّة غير المسيحيّة التي على مثال المعلّمين اليهوديين من أتباع “هيلل” تسهّل الطلاق وتراها ضروريًّا.
الصّداقة البريئة والضّيافة السّخيّة : لوقا 10 : 38 – 42
نصّ الإنجيل المقدّس صريح واضح: “كان يسوع يحبّ مرثا وشقيقتها مريم وشقيقهما لعازر”. وها هو يحلّ ضيفًا عليهم عزيزًا بل يكاد يكون من أهل البيت. لا لفّ في الإنجيل ولا دوران. لو كانت “مريم من بيت عنيا” شقيقة لعازر زوجة ليسوع، لأعلن ذلك الإنجيل. ولو كانت المجدلية كذلك، لما تردّدت البشارة في سرد هذه العلاقة، فلا عيب في الزواج بل هو عقد مقدّس أكرمه السيّد المسيح بالمعجزة الأولى إجلالاً لأمّه الطهور. وعند عامّة العبرانيين كان “الرجُل من غير امرأة نصف رجُل” – وتبعهم الفكر الإسلاميّ حيث “الزواج نصف الدّين”. ونادرًا ما رأى اليهود بين الحاخامات عازبًا. يتمسك يسوع بعزوبيّته وبتوليّته وبكونه من “الخصيان من أجل الملكوت” ولكنه لا يترفّع عن التعامل البريء مع جنس حواء. يحترمهنّ ويودّهنّ كأخوات وأمهات، كما سيوصي الرسول الحبيب يوحنا. ويدشّن يسوع في بيت عنيا حقبة الصداقة البريئة الأخويّة بين الرجال والنساء لأنّه “إذا كانت عينك بسيطة فجسدك كلّه يكون نيّرًا”. وأوضح رسول الأمم بولس بعد أن تخلّص من العُقَد الحاخاميّة الفرّيسيّة التلموديّة الطّهرانيّة المحتقرة للمرأة الفارضة للعيب والشّرّ في كلّ نظرة وفكرة وحركة : “كلّ شيء طاهر للأطهار”. وانطلق المسيحيّون الأولون في أماكن اجتماعاتهم يصلّون جنبًا إلى جنبب، رجالاً ونساء، وهذا ما لا نراه إلاّ نادرًا في مجامع اليهود حتّى في أيّامنا. تقاسم المسيحيّون الأوّلون “الماء والملح” واشتركوا “في الخبز الواحد وفي الكاس الواحد” وقد أدركوا أنهم “جسد المسيح وهيكل روح القدس”. وهكذا انطلقت “حضارة المحبّة” في البلاد المسيحيّة التي سبقت غيرها في ركب الحضارة والتمدّن، وأحيانا بمبالغات وتجاوزات. ولكن يسوع ألغى عوائق نفسية واجتماعية ثقيلة وخلّصنا من أمراض نفسية ناجمة عن “شيطنة المرأة والجنس” وتحويلهما إلى واجس ووسواس ومساورة قاتلة تقضي على الإبداع وتشلّ المرأة بنبوغها ومبادراتها وحدسها ومرهف إحساسها وتلقي بها في سجن المنزل بلا علم ولا مهنة، مع أنها أكثر من نصف المجتمع.
في بيت عنيا نرى الأسرة الأفقيّة اي الأشقّاء والشقيقات – بعد وفاة الوالدين، على ما يبدو. و”ما أجملا وما أمتعا أن يسكن الإخوة معا”. ويجب ألاّ يتحوّل أبدًا “الأشقّاء” إلى “أشقياء”!
أمّا الضّيافه عندنا معشر الشّرقيّين، فحدّث ولا حرج! فهذا حاتم الطائي – وكان مسيحيا – يذبح “ابنه” اي حصانه كي يقدّمه لضيوفه. لا تطلب منا الضيافة أن “نخرب بيوتنا لنبيّض وجوهنا”!
خاتمة
“أضيفوا الغرباء!” أمّا في هذا الوقت، فقد أمسى معظمنا غريبًا لاجئًا، فلنقدّر لمضيفينا أفضالهم مُصغين لنصيحة بولس الرسول: “كونوا شاكرين”. ونسأل الرب أن يستقبلنا، بعد عمر طويل أو قصير، “في الأخدار السماوية”، “في حضن إبراهيم” أبينا!