رسالة يوحنا البشير في ميلاد المسيح (يوحنا 1: 1-18)

الأب لويس حزبون

يبدأ يوحنا الحبيب انجيله بمقدمة وهي عبارة عن نشيدٍ لكلمة الله المتجسد (يوحنا 1: 1-18) حيث كانت الجماعة المسيحية الاولى تترنَّم به احتفاء بالمسيح، ابن الله الذي “فيه خُلِقَ كُلُّ شيَء” (قولسي1: 5)، وقد “أُظهِرَ في الجَسَد”(1 طيموتاوس 33: 16). وإذا أمنّا به فتكون لنا الحياة الابدية (يوحنا 20: 31). ويقول القديس أوغسطينوس “إن مقدمة إنجيل يوحنا تستحق أن تُكتب بحروفٍ من ذهب”. ومن هنا تكمن اهمية البحث في وقائع النص وأبعاده الروحية.

أولا: وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 1: 1-18)
1 “في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله ”
” تشير عبارة ” في البَدءِ ” باليونانية ἀρχῇ الى الزمن المطلق وليس الى زمن العالم أو زمن الخلق. فالكلمة وُجد قبل الخلق وهو كائن ازلي، لا بداية له، إنه البدء بكونه “قُدرَةُ اللّه وحِكمَةُ اللّه” (1قورنتس 1: 24). وهذا ما يشير اليه استعمال فعل “كان” من غير خبر. فهو يدل على الكينونة وتدل صيغته في الزمن الماضي على مدة ثابتة مستقرة يتعذر تحديدها. وهكذا جاء تأمل يوحنا حول ” الكلمة” كامتداد للحكمة في الفكر اليهودي، وهي كائن ازلي يوجد منذ الازل ويدوم مدى الازل (أمثال 8: 22-26، سيراخ 24: 9). فهي واقع وُجد قبل الخلق، والتي بدت شخصا حيّا لا فكرة مجردة. وقد استخدم يوحنا الانجيلي هذه العبارة التي تتذكرنا في سفر التكوين ” في البَدءِ خلَقَ اللهُ السَّمَواتِ والأَرض “(التكوين 1: 1)، يتكلم سفر التكوين عن بداية المخلوقات، أي بدء الزمن بالخلق. أَمَّا البدء في إنجيل يوحنا فهو ما قبل الخلق والزمن والتاريخ، حيث لم يوجد سوى الله الكائن بذاته. لمّا لم يكن من موجود غير الله، ولمّا كان الله يتهيّأ لخلق الكون، كان “الكلمة” موجودا قبل الكون، وقبل أي شيء. أَمَّا فعل ” كانَ” باليونانية ἦν فيقول القديس يوحنا الذهبي الفم “عندما يستخدم طبيعتنا يعنى الفعل الماضي، وعندما يستخدم بخصوص الله يعلن عن السرمدية “؛ أَمَّا “الكَلِمَةُ ” فهي ترجمة عن اليونانية (λόγος لوغوس) ولها معان كثيرة. فهي تعني الكلمة والعقل وعلة الأشياء الفردية التي عليها تقوم. بكل هذه جميعًا نحن نعلن عن المسيح، فهي تدل على المسيح، بصفته الابن الازلي، ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم ” لم يدعه يوحنا الانجيلي “كلمة” بل أضاف أداة التعرف ليميِّزه عن البقية (كلمة الإنسان)”؛ ولقب “الكلمة” يؤكد الوحدة، هو التعبير التام عن الآب، فهو صورة الله الذي لا يُرى (قولسي 1: 15) وشعاع مجد الآب (عبرانيين1: 3)، ويُصبح بالتجسد تجلي الله بأسمى درجة في قلب البشرية (1يوحنا 1: 2). المسيح هو الكلمة التي الذي يعبّر عن ظهور الله السامي في قلب البشرية. كان ولا يزال الأزلي. أَمَّا عبارة ” لَدى الله ” الحرف اليوناني (πρὸς) لا تعني فقط بالقرب من الله وبصحبته، إنما تعني أيضا متجه نحوه وعلى علاقة حية به. وعندما تليه صيغة المفعول به يصبح معناه ليس التعايش فقط، بل التشارك الفعّال الموجَّه. وبعابرة أخرى كلمة (لدى) تدلّ على ان “الكلمة” يتميّز عن الله الآب، وهو متحد به اتحادا تاماً، كما تدل ايضا على وجوده الازلي. وهكذا يثبت يوحنا ضمنيا، شخصية الكلمة. فالكلمة هو شخص وليس فكرة تجريدية. كان ولا يزال الأقنوم المتمايز عن أبيه؛ ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم “الآب والابن ليسا واحدًا في الأقنوم، بل كل منهما أقنوم يمكن رؤيته في الآخر بسبب وحدة الجوهر، لأنه إله من إله، الابن من الآب”. وأَمَّا عبارة “الكَلِمَةُ هوَ الله ” ففي الاصل اليوناني (θεὸς) جاءت في اول الجملة؛ وذلك للتأكيد وقد وردت بدون أداة تعريف. وعليه يكون (لوغوس “الكلمة”) الكلمة هو الله وبدون ان يكون إلها ثانيا، بمعنى انه مساو للآب على مستوى الطبيعة الالهية ومشترك معه في الجوهر، وبحكم هذه الصلة فهو الله. كان الكلمة ولا يزال هو الله، وهو شريك مع الآب في الأزلية. وهنا يوحي الانجيل التمييز بين الشخصيين، في الوحدة الإلهية واتحادهما في المحبة ” أَنا والآبُ واحِد ” (يوحنا 10: 30). باختصار جاءت هذه الآية في ثلاثة مقاطع موزونة، حيث يتكرر في الثلاثة الاسم “الكلمة” والفعل “كان”. ويعلق القديس غريغوريوس النيسي “مثل هذه المفاهيم ما لا يمكن إدراكها سوى خلال الإيمان”.

“2 كانَ في البَدءِ لَدى الله”:

يشير الفعل “كان” باليونانية ἦν الى الكينونة وليس الصيرورة. وعليه فإن وجود “الكلمة” غير مرتبط بالزمن وغير مخلوق. اما “كانَ في البَدءِ لَدى الله” فتجمع العبارات الثلاث في الآية الاولى ” في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله ” في معنى كامل واحد. ليس هذه العبارة مجرد تكرار للآية السابقة، بل أراد يوحنا ان يوضح ان الكلمة كان لدى الله منذ البدء. وأنه لم يكن موجودا بدون الله، ولا خارجا عن الله ولا كان الله بدونه. فالله والكلمة هما شريكان في الأزلية.

3 “بِه كانَ كُلُّ شَيء وبِدونِه ما كانَ شَيءٌ مِمَّا كان:

تشير عبارة ” بِه كانَ كُلُّ شَيء ” الى خلق جميع الاشياء من العدم (يوحنا 17: 24). وجاء الحرف “به” يحمل معنى بواسطته ومن خلاله وفيه. هذا ما عبَّر عنه الرسول بولس بقوله “فيه خُلِقَ كُلُّ شيَء مِمَّا في السَّمَواتِ ومِمَّا في الأَرْض ما يُرى وما لا يُرى … كُلُّ شيَءٍ خُلِقَ بِه ولَه” (قولسي 1: 16)؛ وإن عمل الخلق هو عمل الآب والابن كما ورد في أسفار العهد القديم التي ربطت خلق العالم بكلمة الله (مزمور 33: 6) او بحكمة الله (8: 27-30). الله خلق الكون كله بكلمته. أَمَّا فعل “كان” هنا في اليونانية ἐγένετο فيشير الى الخلق، في حين ان “كان” الآية الأولى ἦν تعني الكينونة الذاتية (يوحنا 1: 1). أَمَّا لفظة ” كُلُّ ” فتشير الى كل موجود الذي هو عمل الله وهو صالح. وهذا التعليم يتنافى مع تعليم بعض الجماعات في ايام يوحنا مثل الغنوصيَّة الثنائية التي تتحدث عن إله خير وإله شرٍ. فكل الكائنات، بدون استثناء، مدينة بوجودها للكلمة. هو خالق المسكونة، فقد دعاها لأن تكون، وهو وحده قائم منذ الازل. أَمَّا عبارة ” وبِدونِه ما كانَ شَيءٌ مِمَّا كان ” فتشير الى دور الكلمة في الخلق أساسي، بدونه استحالة تحقيق الخلق أو استمراره.

4فيهِ كانَتِ الحَياة والحَياةُ نورُ النَّاس”:

تشير عبارة ” الحَياة والحَياةُ ” الى التمييز بين والحياة الزمنية المخلوقة والحياة الخالقة كما صرّح عن نفسه ” فكَما أَنَّ الآبَ له الحَياةُ في ذاتِه فكذلِكَ أَعْطى الِابنَ أَن تَكونَ له الحَياةُ في ذاتِه ” (يوحنا 5: 26). هذه الحياة الخالقة تهب حياة للغير. إنه يمنح الخليقة نعمة الوجود، يعطي أيضًا نعمة البقاء. وقد تكررت لفظة “الحياة” (32) مرة في انجيل يوحنا، و(127) مرة في اسفار العهد الجديد. وتدل الحياة على “الكلمة” الذي هو مصدر الحياة المادية والبشرية والحياة الروحية. الحياة هي عطية المسيح حيث به أعطيت الحياة للخليقة، وبه اعطيت لنا الحياة الالهية كما صرّح المسيح ” أَنا فقَد أَتَيتُ لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس وتَفيضَ فيهِم” (يوحنا 10: 10)؛ والمسيح هو الحياة “أنا هو الطريق والحَقُّ والحَياة” (يوحنا 14: 6). أَمَّا عبارة “نورُ النَّاس” فتشير الى “الكلمة” الذي هو في الوقت نفسه النور الذي يرشد البشر الى الطريق الواجب سلوكه (يوحنا 8: 12). وقد وضّح صاحب المزامير الصلة بين النور والحياة بقوله ” لأنَّ يَنْبوعَ الحَياةِ عِندَكَ ونُعايِنُ النُورَ بِنورِكَ “(مزمور 36: 10). والانسان يحصل على الاستنارة الروحية من “الكلمة”، كلمة الله، كلمة الحياة. فالحياة والنور تُحددان عمل الكلمة. فالكلمة هو مصدر الحياة، والكلمة تُحيي بنورها. فالحياة في مفهوم يوحنا هي نور، لأنها أتحاد مع الله في نور كلمته الازلي وهي الحياة الأبدية “الحَياةُ الأَبدِيَّة هي أَن يَعرِفوكَ أَنت الإِلهَ الحَقَّ وحدَكَ ويَعرِفوا الَّذي أَرسَلتَه يَسوعَ المَسيح” (يوحنا 17: 3). وكل من في النور هو حي.
5والنُّورُ يَشرِقُ في الظُّلُمات ولَم تُدرِكْه الظُّلُمات”:

تشير عبارة “النور” الى “الكلمة” الذي لا يقوى عليه الظلام. والنور في النهاية يدل على الله؛ أَمَّا عبارة “النُّورُ يَشرِقُ في الظُّلُمات ” فتشير الى كلمات اشعيا ” الشَّعبُ السَّائِرُ في الظُّلمَةِ أَبصَرَ نوراً عَظيماً والمُقيمونَ في بُقعَةِ الظَّلام أَشرَقَ علَيهم النُّور” (أشعيا 9: 1) ويُعلق القديس كيرلس الكبير “الخليقة العاقلة بدون الطبيعة الإلهية هي ظلمة” فإن الخطية ظلمة؛ أَمَّا عبارة ” ولَم تُدرِكْه الظُّلُمات ” فتشير الى عدم إدراك الناس ظهور “الكلمة” في خلق العالم كما يؤكد الرسول بولس “فلَمَّا كانَ العالَمُ بِحِكمَتِه لم يَعرِفِ اللّه…” في الخليقة (1 قورنتس 1: 21) وعدم إدراك العالم نور “الكلمة” في التجسد؛ لأنه في نزاع مع الظلمة الناشئة عن عصيان الانسان وجهله. ويعلق القديس اوغسطينوس “النور ليس غائبًا، بل أنتم الغائبون عن النور”؛ ان قوة مظلمة تتصدى لعمل النور ولكن الظلمات لا توقف سير النور المنتصر ولا تستطيع خنقه. أتى المسيح مرسلا الى الأرض في وسط الظلمات والكذب والبغض كمخلص ونور ومحرر “فإذا حَرَّرَكُمُ الابنُ كُنتُم أَحراراً حَقّاً ” (يوحنا 8: 36).

6 ظَهَرَ رَجُلٌ مُرسَلٌ مِن لَدُنِ الله اِسْمُه يوحَنَّا”:
تشير عبارة “ظهر” في اليونانية “Ἐγένετο ” الى معنى كان. على عكس فعل “كان” في اليونانية ἦν الذي ورد في الآية الاولى “كان الكلمة” (يوحنا 1: 1) حيث أنه جاء في صيغة فعل الكينونة، بمعني أنه كائن أزلي غير مُحدَّد بزمن معين. ويُعلق القدّيس غريغوريوس الكبير “إن كان المسيح أعظم منّي، برغم أنّه ولد من بعدي، فذلك لأنّ وقت ولادته لا يحصره في حدود معيّنة. فهو ولد من أمّ في الزمن، لكنّه مولودٌ من الآب قبل الدهور وخارج الزمن”. أَمَّا عبارة ” رَجُلٌ مُرسَلٌ مِن لَدُنِ الله ” فتشير الى الإرسالية ذاتها، وغايتها الشهادة لشخص الكلمة الإلهي بكونه النور المُشرق على الجالسين في الظلمة. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم ” إذا سمعت أن يوحنا مُرسل من الله فلا تظن أنه يتكلم بأقواله، لكنه إنما يتكلم أقوال مرسله، ولهذا ُسمى ملاكًا كما ورد في سفر ملاخي النبي “هاءَنَذا مُرسِلٌ رَسولي فيُعِدُّ الطَّريقَ أَمامي، ويَأتي فَجأَةً إِلى هَيكَلِه السَّيِّدُ الَّذي تَلتَمِسونَه، ومَلاكُ العَهدِ الَّذي تَرتَضونَ بِه.”(ملاخي 3: 1)، وفضيلة الملاك ألا يقول قولًا من ذاته”. أَمَّا عبارة ” يوحَنَّا ” فتشير الى الصيغة العربية في اسفار العهد الجديد للترجمة اليونانية Ἰωάννης وهي لفظة مشتقة من العبرية יוֹחָנָן ومعناها الله حنون. “يوحنا” المقصود به هنا هو يوحنا المعمدان، ابن زكريا الشيخ وزوجته اليصابات، دُعي وكُرَّس منذ ولادته ليكون سابق المسيح (لوقا 1: 5-25) وكان أبواه يسكنان اليهودية في يطّا، مدينة الكهنة، وهي إحدى قرى منطقة الخليل. وكانت ولادته قبل ولادة المسيح بستة أشهر (لوقا 1: 26) في قرية عين كارم بحسب التقاليد. ودُعي القديس يوحنا المعمدان رسولًا أو ملاك الله (ملاخي ٣: ١). ولم يذكر عنه الكتاب المقدس أنه صنع معجزة ما، لكنه شهد للحق، وجذب الكثيرين للتوبة بحياته الجادة وشهد للمخلص يسوع المسيح.

7جاءَ شاهِداً لِيَشهَدَ لِلنَّور فَيُؤمِنَ عن شَهادتِه جَميعُ النَّاس”:

تشير عبارة ” شاهِداً” الى يوحنا المعمدان أَمَّا يوحنا الإنجيلي فهو الشاهد (يوحنا 21: 24). أَمَّا فعل “لِيَشهَدَ ” فقد ورد 33 مرة في انجيل يوحنا دلالة على اهمية الشهادة. ومرة واحدة في انجيلي متى ولوقا، ولم يرد في إنجيل مرقس. ويوحنا المعمدان يشهد بما “رأى وسمع” (يوحنا 3: 32). وهذا الامر حدث خاصة عند عماد يسوع ” وشَهِدَ يوحَنَّا قال: ((رَأَيتُ الرُّوحَ يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ كأَنَّه حَمامَة فيَستَقِرُّ علَيه. وأَنا لَم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنَّ الَّذي أَرسَلَني أُعَمِّدُ في الماءِ هو قالَ لي: إِنَّ الَّذي تَرى الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ، هو ذاكَ الَّذي يُعَمِّدُ في الرُّوحِ القُدُس. وَأَنا رأَيتُ وشَهِدتُ أَنَّه هو ابنُ الله ” (يوحنّا 1: 32-34). لم يكن المسيح بحاجة إلى من يشهد له، فهو شاهد لنفسه بنوره، إنما كان يوحنا السراج الحامل لنور المسيح فيه. أمَّا عبارة ” شَهادتِه ” فتشير الى شهادة يوحنا المعمدان، هي شهادة بشرية الهية، شهادة لا يقوم بها البشر الاَّ بدعوة يخصُّهم الله بها. وهذه الحال في دعوة الأنبياء، (أشعيا 55: 4). ودعوة الرسل والكهنة (اعمال الرسل 1: 8). فالشهادة تقوم على معرفة ومسؤولية لإعلان حقيقة وتفنيد الكذب والزور. وقد وردت لفظة شهادة 14 مرة في انجيل يوحنا، ولم ترد في انجيل متى، ووردت ثلاث مرات في انجيل مرقس، ومرة واحدة في انجيل لوقا. ومن هذا المنطلق هذه الشهادات كثيرة للمسيح كشهادة الآب (يوحنا 5: 31)، وشهادته لنفسه (يوحنا 8: 14)، وشهادة الروح القدس (يوحنا 15: 26)، وشهادة أعمال المسيح (يوحنا 5: 36)، وشهادة يوحنا لمعمدان (يوحنا 1: 7)، وشهادة التلاميذ (يوحنا 15: 27)، ونستنتج من هذه الشهادات انَّ ما يشغل ذهن الإنجيلي يوحنا هو الإعلان عن شخص السيد المسيح، حتى نؤمن به، فنتمتع به نورًا لنا في هذا العالم، ومجدًا في الحياة الأخرى.

8لم يَكُنْ هو النُّور بل جاءَ لِيَشهَدَ لِلنُّور.

تشير عبارة “النور” الى يسوع الذي ” يُنيرُ كُلَّ إِنْسان آتِياً إِلى العالَم ” (يوحنا 1: 9)، حيث صرّح يسوع بقوله “أَنا نُورُ العالَم مَن يَتبَعْني لا يَمْشِ في الظَّلام بل يكونُ له نورُ الحَياة” (يوحنا8: 12)، وفي موضع آخر يقول “جِئتُ أَنا إِلى العالَمِ نوراً فكُلُّ مَن آمَنَ بي لا يَبْقَى في الظَّلام” (يوحنا 12: 46). المسيح هو النورُ الأزليّ، النورُ الذي لا زمنَ له، والذي ظهرَ في الزمنِ، ظهرَ في جسدِه وخَفِيَ في طبيعتِه، النورُ الذي أحاطَ بالرعاةِ، وقادَ المَجُوسَ في الطريق. وحيث ان يسوع هو النور، الذي لا يعرف الظلمة، وحياة لا تعرف الموت، ومحبة موجهة إلى كلّ شخص على وجه الأرض دون تمييز. علينا ان نسير في النور والسير في النور يعني مشاركة بعضنا مع بعضا كما يقول يوحنا الرسول ” وأمَّا إِذا سِرْنا في النُّور كما أَنَّه هو في النُّور فلَنا مُشارَكةٌ بعضُنا مع بَعض “(1 يوحنا 1: 7)، فلا مشاركة لله بدون مشاركة لإخوتنا. أمَّا عبارة “جاءَ لِيَشهَدَ لِلنُّور” فتشير إلى ان يوحنا المعمدان لا يدعو التلاميذ إليه، بل الى يسوع، والى الايمان به حيث ظنَّ بعض التلاميذ انَّ يوحنا هو المسيح الذي يؤمنون به. وفي الواقع، يوحنا هو الشاهد للنور، لا النور، هو الشاهد للمسيح، لا المسيح نفسه، يوحنا رفيق العريس، لا العريس (يوحنا 3: 29). ويُعلق القدس اوغسطينوس ” هكذا كان يوحنا نورًا، لكنه لم يكن النور الحقيقي، لأنه لو لم يستنر لكان فيه ظلمة، لكنه بالاستنارة صار نوراً”. شدَّد النص على التباين بين يوحنا ويسوع.

9كان النُّورُ الحَقّ الَّذي يُنيرُ كُلَّ إِنْسان آتِياً إِلى العالَم”:

تشير عبارة “النُّورُ الحَقّ ” الى يسوع “الكلمة”، وكثيرًا ما أشار الكتاب المقدس إلى السيد المسيح بكونه النور الإلهي أو نور الآب (مزمور 4: 4؛ يوحنا 35:12-36؛ 1 يوحنا 9:2-10)، وانه “نورُ العالَم” (يوحنا 8: 12)، فهو النور الوحيد القادر أن يكشف عن الحق كله، ويُخبر عن أسرار الإلهيات، فهو نور كامل دائم لا ينقطع. هذا النور الحق وحده قادر أن يدخل إلى معرفة الآب، الإله الحقيقي (يوحنا 3: 17)؛ أَمَّا فعل ” يُنيرُ” فيشير الى المضارع وليس الى الماضي مما يدل على حالة استمرار دائم، بحيث يبقى باب محبته مفتوحًا على الدوام، بل وينزل إلى كل أحدٍ ليدعوه للتمتع بنوره. فمن حق كل إنسان أن يقبله ويتمتع به. أَمَّا عبارة ” يُنيرُ كُلَّ إِنْسان آتِياً إِلى العالَم ” فتشير الى كل انسان يستطيع ان يستنير به لتحقيق حياته. وهذا يعني شمولية الخلاص. كل ضمير بشري يجد نفسه مأخوذاً بإشعاعه بلا علم منه. أَمَّا عبارة “آتِياً إِلى العالَم” فلا تعود على “كل إنسان” بل على “النور الحقيقي”، إذ جاء الكلمة النور الحقيقي بالتجسد إلى العالم. أَمَّا عبارة ” العالَم ” فتشير تارة الى الكون وتارة أخرى الى البشرية، موضع حب الله (يوحنا3: 16) وتارة الى رفض العالم “للكلمة المتجسد” ومخطط الله (يوحنا 12: 31). وقد وردت لفظة العالم في انجيل يوحنا 68 مرة، وفي الرسائل 24 مرة وعند بولس الرسول 47 مرة.

10″كانَ في العالَم وبِه كانَ العالَم والعالَمُ لَم يَعرِفْهُ”:

تشير عبارة ” وبِه كانَ العالَم ” فتشير الى النور الذي كان موجوداً وجوداً خلاّقا في العالم قبل تجسِّده؛ أَمَّا عبارة ” العالَمُ لَم يَعرِفْهُ ” فتشير الى عدم معرفة العالم ليسوع بالرغم من انه قد أعلن ذاته كمقيم في عالم ٍ وُجد بواسطته. ورفضه خاصته اليهود بالرغم من شهادة القديس يوحنا المعمدان له. هذه الكلمات تذكرنا بكلمات حزقيال النبي ” يا ابنَ الإِنْسان، أَنتَ ساكِنٌ في وَسْطِ بَيتِ تمَرُّد، لَهم عُيونٌ لِيَرَوا ولا يَرَون، ولَهم آذان ليَسمَعوا ولا يَسمَعون، لأَنَّهم بَيتُ تَمَرّد” (حزقيال 12: 2). العالم الشرير رفضه، مفضلًا الظلمة عن معرفة النور. إن كان الإنسان قد صار ظلمة فهو بلا عذر، وظلمته ليست من صنع خالقه، إنما هي من فعل إرادته الشريرة الرافضة للنور الحقيقي. وكم من المرات يكون المسيح في وسطنا ونحن لا نعرفه “جاءَ إِلى بَيتِه. فما قَبِلَه أَهْلُ بَيتِه” (يوحنا 1: 11) إمَّا لخطية فينا، أو لقساوة قلوبنا، أو بسبب الظلمة في عيوننا. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم “يا للعجب إنه خالق العالم بقدرته، وقد نزل إليه ليحلَّ في وسطنا، ويبعث بنوره إلينا وفينا، لكن العالم الشرير رفضه، مفضلًا جهالة الظلمة عن معرفة النور”.

11جاءَ إِلى بَيتِه. فما قَبِلَه أَهْلُ بَيتِه”:

تشير عبارة “اهل بيته ” الى شعب اسرائيل الذي يُمثل البشرية في التاريخ التي هي ملك الخالق. كما يمثل شعب اسرائيل البشر الذين رفضوا ان يقبلوا ” الكلمة” منذ ايام المسيح حتى ايامنا. دخل “الكلمة” إلى عالم الإنسان، وخاصته لم تقبله، لقد صرخ الشَّعبُ بِأَجمَعِه: دَمُه علَينا وعلى أَولادِنا! ” (متى 27: 25).

12أَمَّا الَّذينَ قَبِلوه وهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِاسمِه فقَد مَكَّنَهم أَنْ يَصيروا أَبْناءَ الله”:

تشير عبارة “يُؤمِنونَ ” الى هؤلاء الذين يعترفون ويقرّون بقدرة الابن المتجسد” ويدعونه بثقة رباً ومخلصاً. وباختيارهم الإيمان قبلوا المسيح. فالإيمان هو انتماء الى المسيح بالاعتراف به على انه ابن الله الذي يكشف عن سر الآب. أَمَّا عبارة ” بِاسمِه ” فتشير الى شخص المسيح. والايمان به، هو تعلق بالمسيح كابن الله. أَمَّا عبارة” يَصيروا أَبْناءَ الله” فتشير الى هؤلاء الذي جعلهم الله أبناءً له بنعمته، وهم بقية أمينة قبلته فصاروا أبناء الله وأعضاء في العائلة الإلهية. أَمَّا الذين قبلوه فنالوا ميلادًا جديدًا. كلمة الله، صار بشرا، ليجعل من البشر أبناء الله. فعلينا ان نتقبل هذه النعمة ونعيش في محبة الله ونتجنَّب محبة العالم كما يوصينا يوحنا الرسول “لا تُحِبُّوا العالَم وما في العالَم. مَن أَحَبَّ العالَم لم تَكُنْ مَحَبَّةُ اللهِ فيه “(1يوحنا2: 15).

13فهُمُ الَّذينَ لا مِن دَمٍ ولا مِن رَغبَةِ لَحْمٍ ولا مِن رَغبَةِ رَجُل بل مِنَ اللهِ وُلِدوا”:

تشير كلمة ” هُمُ ” الى المؤمنين، وهناك ترجمات تقرأ بدل من هم “هو” فتشير الى المسيح الذي وُلد من الآب قبل الزمن بدون أم، من مريم البتول، وبدون أب في الزمن (متى 1: 18) ذاك ما قاله الآباء. أَمَّا عبارة “لا مِن دَمٍ ولا مِن رَغبَةِ لَحْمٍ ولا مِن رَغبَةِ رَجُل” فلا تشير الى ولادة بشرية بل الى ولادة روحية. اما كلمة ” دَمٍ” فقد جاءت الصيغة في النص اليوناني بالجمع دماء (αἱμάτων) وليس بالمفرد، لأنه يقصد دماء الآب والأم. أَمَّا عبارة ” مِنَ اللهِ وُلِدوا ” فتشير الى اننا ولدنا من الله بنعمته تعالى وصرنا أبناء له. ان هذا الميلاد الجديد هو موضع اعتزاز الإنجيلي يوحنا” أُنظُروا أَيَّ مَحبَّةٍ خَصَّنا بِها الآب لِنُدعَى أَبناءَ الله ” (1 يوحنا 3: 1)، كما يعلن ايضا ” نَعلَمُ أَنَّ كُلَّ مَن وُلِدَ للهِ لا يَخطأَ لكِنَّ المَولودَ للهِ يَحفَظُه فلا يَمَسُّه الشِّرِّير”(1 يوحنا 5: 18).

14″والكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا فرأَينا مَجدَه مَجداً مِن لَدُنِ الآبِ لابنٍ وَحيد مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ”:

لا تشير اللفظة “بَشَراً” باليونانية (σάρξ) الى الى الجسد فقط، وإنما الطبيعة البشرية ذاتها، في ضعفها، وموتها (يوحنا 3: 6) وتدل على الانسان المكوّن من لحم ودم والموسوم بالضعف المؤدي الى الموت، كما يقول الرسول بولس: هو الَّذي في صُورةِ الله لم يَعُدَّ مُساواتَه للهِ غَنيمَة بل تَجرَّدَ مِن ذاتِه مُتَّخِذًا صُورةَ العَبْد وصارَ على مِثالِ البَشَر وظَهَرَ في هَيئَةِ إِنْسان “(فيلبي 2: 6-7)، بهذا فتح لنا بابًا إلى الأقداس السماوية. ” ولَمَّا كُنَّا واثِقينَ، أَيُّها الإِخوَة، بِأَنَّ لَنا سَبيلاً إِلى القُدْسِ بِدَمِ يسوع، سَبيلاً جَديدةً حَيَّةً فَتَحَها لَنا مِن خِلالِ الحِجاب، أَي جَسَدِه” (عبرانيين 10: 19-20)؛ هذا يتنافى مع بدعة الظاهرية وهذا يتنافى مع تعليم البدعة الظاهرية التي تجعل من التجسد مجرد مظهر أي ان “الكلمة” تظاهر او تراءى بشكل بشري، لكنه ما كان إنسانا، ولا مات على الصليب (1 يوحنا 4: 2). أَمَّا عبارة ” الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً ” فتشير الى تجسد “الكلمة” في الواقع البشري، إذ اتخذ جسدًا حقيقيًا. هذا ما يدلُّ على وجوده في الزمن، وهو حدثٌ يُشكل الساعة الحاسمة في تاريخ الخلاص. ومنذ اللحظة التي فيها لُفظت كلمة “بشر” اختفى لقب “الكلمة”. وأخذ يوحنا يستعمل مراراً “ابن الانسان”. لا يتحدث يوحنا الانجيلي في ميلاد المسيح عن الاماكن والاشخاص بل مباشرة عن مولده العجيب وعبوره التاريخي الذي فيه صار الكلمة الازلي بشراً، متخذا جسداً. وعليه ولد المسيح من الآب قبل الزمن بدون أم، ومن مريم البتول بدون أب في الزمن، وصار ابن الإنسان، ولم يكف عن أن يبقى ابن الله؛ أَمَّا عبارة “سَكَنَ مترجمة عن اللفظة اليونانية(ἐσκήνωσεν) ومعناها نصب خيمته فتشير الى الهيكل (يوحنا 1: 51) مكان الحضور الالهي وتجلي مجد الله (خروج 40: 34-35). والخيمة ترمز الى مجد الله في وسط شعبه. أَمَّا عبارة “بَينَنا” فتشير الى الناس عامة (يوحنا 1: 5) والتلاميذ خاصة. سكن “الكلمة المتجسد” بيننا حتى نتمكن أن ندنو منه وأن نخاطبه ونتصرف معه ” ما ظَهَرَت بِه مَحبَّةُ اللهِ بَينَنا هو أَنَّ اللهَ أَرسَلَ ابنَه الوَحيدَ إِلى العالَم لِنَحْيا بِه”(1 يوحنا 4: 9)؛ وأَمَّا لفظة “مجده” فتشير في العهد القديم الى ما يكشفه الله للناس، فهو تارة بهاء نير يُلازم ما هو مقدس، وتارة أحداث تُظهر قدرة الله. أَمَّا في العهد الجديد فأعمال المسيح ومعجزاته تكشف مجده (يوحنا2: 11) خاصة حدث الفصح (يوحنا13: 31). أَمَّا عبارة “فرأَينا مَجدَه ” فتشير الى الشهود الذين عاينوا مجد الله لا سيما يوحنا الإنجيلي (1 يوحنا 1:1)، والشهادة المشتركة للجماعة المسيحية الأولى المتحدة مع الرسل. أَمَّا عبارة ” مَجداً مِن لَدُنِ الآبِ لابنٍ وَحيد” فتشير الى صفة التي يتمتع بها الكلمة المتجسدة. وتجلى مجده أفضل منه على جبل سيناء (خروج 19: 16-20) وفي الهيكل العهد القديم (خروج 25: 8)؛ ومجد الله هو الموضوع الرئيسي لإنجيل يوحنا أكثر من خلاص الانسان، فالابن يُعلن مجد الآب غير المحدود، ويُظهر مجد اسمه العظيم، ولا نجد ذكر غفران الخطايا في انجيل يوحنا. “أَمَّا عبارة “لابن” باليونانية ὡς μονογενοῦς ومعناها “كما لابن وحيد “فلا تشير هنا الى المشابهة أو المقارنة وإنما هي لفظة تحقيق وتحديد خالٍ من الشك، كأنه قال: “ورأينا مجده مجدًا كما وجب أن يمتلكه ابن وحيد لإله الخليقة كلها وملكها” كما جاء في تعليم يوحنا الذهبي الفم. أَمَّا عبارة “أبن وحيد” فهو لقب يدل على الطابع الفريد على بنوة المسيح والتمايز. وهذه البنوة تمكّن الابن من الاشتراك في ” النعمة والحق”. أَمَّا عبارة ” النِّعمَةُ والحَقّ ” فتشير الى صفة التي يتمتع بها الكلمة المتجسدة. وهي تصف كرم الله وصلاحه الذي يهب عطاياه بسخاء لا حد له (خروج 34: 6). ولم يُعلن مجد الابن في الجلال والقوة (وهما مفهوما المجد في العهد القديم) فحسب، انما ايضا في النعمة والحق. وهما ميزتان “للكلمة” الذي هو حياة ونور. فالنعمة تعطي الحياة، والنور يُهدي الى الحق. ولفظة الحق تتكرر في إنجيل يوحنا (25) مرة وهي تشير الى أهمية ميزة يسوع الذي هو الحق (يوحنا 14: 6). وأَمَّا لفظة نعمة لم ترد الى مرة واحدة، وهي مرتبطة بيسوع الذي هو الحق (يوحنا 14: 6). وفي “الكلمة ” الذي صار بشرا، تجلت للناس دعوتهم، ومع دعوتهم بدت لهم كرامتهم: بفضل إيمانهم بأبنه اولاهم الله نعمة ان يصبحوا ابناء لله.

15شَهِدَ له يوحَنَّا فهَتف: ((هذا الَّذي قُلتُ فيه: إِنَّ الآتيَ بَعْدي قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي)):

تشير عبارة ” إنَّ الآتيَ بَعْدي ” الى يوحنا الذي ولد تاريخيا وبشريا قبل يسوع، ويسوع جاء بعده في التاريخ؛ أَمَّا عبارة ” تَقَدَّمَني ” الى يسوع اذي يفوق يوحنا المعمدان على الاطلاق في أصله ورسالته الإلهية لأنه الكلمة المولود قبل الزمن “لأنه إله مولود من إله، مولود من الآب قبل الدهور ” (يوحنا 1: 15) علما انه في الموكب الرسمي الأخير هو الأهم. أَمَّا عبارة “قَبْلي πρῶτος ” فتشير اللفظة اليونانية الى الزمان والمكان. وعليه تدل هذه اللفظة على انه بالرغم من ان يسوع جاء بعد يوحنا المعمدان في التاريخ الا انه يفوقه في أصله الالهي ورسالته وفي الوجود والكرامة. المسيح هو قبل يوحنا في الوجود، لأنه “الكلمة” المولود قبل الزمن. هو الأول وهو لقب خاص بالله كما جاء في سفر الرؤيا ” أَنا الأَوَّلُ والآخِر (رؤيا 1: 17).

“16فمِن مِلْئِه نِلْنا بِأَجمَعِنا وقَد نِلْنا نِعمَةً على نِعمَة”:

تشير عبارة ” فمِن مِلْئِه نِلْنا بِأَجمَعِنا ” الى شهادة يوحنا المعمدان التي أدّت الى معرفة الكلمة المتجسد وهذه المعرفة تجعل المؤمنين يشاركون في ملء الخيرات الروحية نعمة على نعمة. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم “المسيح نفسه ينبوع ذاته وأصل كل صلاح، الحياة ذاتها، النور ذاته، الحق ذاته، يفيض بها على الآخرين، ويهب الغير ليشاركوه بركاته، ويبقى في كماله كما هو” أَمَّا عبارة ” وقَد نِلْنا نِعمَةً على نِعمَة ” الى ان المؤمنين يفتحون قلوبهم يوما بعد يوم لقبول عطيّة الله التي لا حد لها. العطايا الإلهية هي نعم χάρις أي مجانية (رومة 12: 6)، فكل بركة هي مرحلة لبركة أعظم، وكل نعمة ننالها بإيمان تصحبها نعمة أكبر. ويعلق القديس اوغسطينوس ” ما هي النعمة؟ ما يُعطى مجانًا… وإذ تنال إحسانًا من الله بالحياة بالإيمان تتقبل الخلود كمكافأة والحياة الأبدية. وهذه نعمة”. كل نعمة هي وزنة نتقبلها من الله لنتاجر فيها فنربح وزنة أخرى (1بطرس 4: 10).

“17لأَنَّ الشَّريعَةَ أُعطِيَت عن يَدِ موسى وأَمَّا النِّعمَةُ والحَقّ فقَد أَتَيا عن يَدِ يسوعَ المسيح”:

تشير عبارة ” الشَّريعَةَ أُعطِيَت عن يَدِ موسى ” الى شريعة موسى الذي تدل على العدل وتتطلب من الإنسان الطاعة، لكنها لا تستطيع ان تعطي حياة؛ أَمَّا عبارة ” وأَمَّا النِّعمَةُ والحَقّ فقَد أَتَيا عن يَدِ يسوعَ المسيح ” فتشير الى الرحمة الإلهية التي تتطلب من الانسان المحبة وتعطيه الحياة والحق الذي يحرِّره من عبودية الخطيئة. وما النعمة والحق الا الله الذي وهب ذاته في شخص الكلمة المتجسد. وباختصار تشير هذه الآية الى الفرق بين شريعة موسى ونعمة يسوع. ويعلق العلامة أوريجانوس ” ما وهبه الله من نعم في العهد القديم كانت رموزًا لنعمة العهد الجديد التي هي “الحق”. لهذا فإن مجد العهد الجديد أعظم (٢ قورنتس3: 10) بحيث صار اكتشاف النعمة في العهد الجديد أوضح، وتوزيعها بأكثر سخاء. وهكذا نلنا نعمة العهد الجديد عوض نعمة العهد القديم، ليس لأنها تناقضها، بل تحققها في كمالها بسخاء، وتنميها إلى الكمال وتثبتها فينا”؛ أَمَّا عبارة ” يسوعَ المسيح” فتشير الى ظهور الاسم وذلك لمقابلته مع اسم موسى. وبهذين الاسمين يعلق العهد القديم والجديد. العهد القديم يقوم على اعطاء الشريعة الخارجية، أَمَّا العهد الجديد فيُدخل بين الناس مبدا النعمة والحق (هوشع 2: 16-22).

18″إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه”:

إن عبارة” إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ” تشير ان الانسان عاجزٌ عن الوصول بنفسه الى معرفة الله مباشرة. الانسان لا يرى الله، ولا يقدر ان يراه مهما فعل (تثنية الاشتراع 4: 12)، انما يستطيع فقط ان يطمح الى ذلك (يوحنا 14: 8). هنا على الأرض لم ير أحد وجه الله: فموسى (خروج 33: 20-23) وإيليا (2 ملوك 19: 9-13)، وأشعيا نفيه (اشعيا 6: 1-5) لم يستطيعوا ان يشقوا الغمام حيث يقيم لله الحي (اشعيا 6: 67) انهم لم يروا جوهر الله وطبيعته. أَمَّا عبارة “الابن الوحيد الذي في حِضْنِ الآب” فتشير الى يسوع الابن الوحيد الذي يشارك الآب الطبيعة الإلهية، وهو وحده قادر ان يقود البشر الى معرفة الآب والاتحاد به. وقد اوحي يسوع بالله الآب وعبَّر عنه بحياته وبأعماله وتعليمه. إنه هو “شُعاعُ مَجْدِه وصُورةُ جَوهَرِه” (عبرانيين 1: 3)، وقد تجسَّد ليُخبرنا عنه ويكشف لنا اسمه (عبرانيين 6: 17) ويبلغنا حبه، ويقودنا إليه. يبدأ يوحنا انجيله بالكشف عن شخص ربنا يسوع قبل التجسد بكونه الكلمة الأزلي، لكي نتخطى كل زمن وننطلق إلى حضن الآب الأزلي، فنتعرف على خطة الله ومشيئته لخلاصنا ومجدنا الأبدي. إنه الكلمة الذي يحدثنا بما للآب، إذ هو الحق والآمين، والشاهد الصادق؛ ويعرفنا على ذاك الذي نشاركه مجده ونعيش معه إلى الأبد. وباختصار، يقدّم لنا يوحنا الإنجيلي “الكلمة “الإلهي بكونه الاقنوم الإلهي الواحد مع الآب في الجوهر وقد صار جسدًا من أجلنا.

ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (يوحنا 1: 1-18)
بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 1: 1-18)، نستنتج انه يتمحور حول المسيح “كلمة” الله، الكائن الازلي الذي صار بشراً، ليجعل من البشر أبناء الله. وهو يعمل في الخليقة كما في التاريخ البشري لفدائها وخلاصها. ومن هنا فإننا نبحث علاقة الكلمة بالوجود وبالخلق وبالتاريخ والتجسد.

اولا: الكلمة والوجود: (يوحنا 1: 1-2)
في بدء سفر التكوين نحن امام عمل الله في الخلق. ” في البَدءِ خلَقَ اللهُ السَّمَواتِ والأَرض” (التكوين 1: 1)؛ وأَمَّا في مقدمة انجيل يوحنا فنحن امام “الكلمة: الذي كان موجوداً من الازل قبل الخلق “في البَدءِ كانَ الكَلِمَة” (يوحنا1: 1)، كما ورد في سفر الامثال ” مِنَذ الأَزَلِ أُقمتُ مِنَ الأوَلِ مِن قَبلِ أَن كانَتِ الأَرْض” (الامثال 8: 23). وهو كائن غير مخلوق، وهو ازلي، ووجوده غير مرتبط بالزمن بصفته “كانَ لَدى الله”.

ثانيا: الكلمة والخلق: (يوحنا 1: 1-5):
المصدر الاساسي للخلق هو الآب ولم يشترك في عملية الخلق أي عامل وسيط. فالخلق هو أول عمل، اول تعبير لله خارج عن ذاته. اما “الكلمة ” فهو اداة عمل الخلق، لان ” بِه كانَ كُلُّ شَيء” بمعنى ان “بِه أَنشَأَ العالَمِين” (عبرانيين 1: 2) وان كل الخليقة تقوم به وتستمد منه الحياة. كما يقول بولس الرسول “ففيه خُلِقَ كُلُّ شيَء مِمَّا في السَّمَواتِ ومِمَّا في الأَرْض ما يُرى وما لا يُرى” (قولسي 1: 16). ” وبِدونِه ما كانَ شَيءٌ مِمَّا كان.” أي لن نحصل على شيء خارجا عن المسيح. إنه مصدر الوجود ونبع الحياة. ونبع الحياة هو بالضرورة نبع النور. فيسوع هو خالق الحياة، وحياته تمنح النور للبشرية. فهو يُنير الطريق أمامنا لنتمكن من ان نرى كيف نحيا. وفي نوره نرى أنفسنا على حقيقتها كما هي: نحن خطأة بحاجة الى مخلص. ومع ذلك إن نور المسيح في نزاع مع الظلمة الروحية الناشئة عن عصيان الانسان وجهله. فلنتذكر ان الله خلقنا. فبدونه وبعيد عنه لا نستطيع ان نتمِّم المخطط الذي وضعه من اجلنا.

ثالثاً: الكلمة والتاريخ: (يوحنا1: 6-13)
بعد ان وصف يوحنا الإنجيلي “الكلمة” كائن ازلي، وبه خُلق العالم من لا شيء، يصفه الآن في علاقته بالتاريخ. فيشير الى يوحنا المعمدان الذي بشّر بمجيئه وجاء ليشهد لنوره وبشهادته قاد الناس الى ايمان حيٍ في الشخص الآتي الى العالم (يوحنا 1: 6-9) مؤكدا اولوية “الكلمة” والخضوع له. وأعلن “الكلمة” المتجسد نفسه تاريخيا الى شعبه اسرائيل، ولم يقبلوه (يوحنا 1: 10) والى خاصته جاء (يوحنا 1: 12) وأبت خاصته ان ترحّب به. مع ان المسيح خالق العالم، لم يعرفه الناس الذين خلقهم (يوحنا 1: 10)، بل رفضه الناس الذين اختارهم الله ليهيئوا بقية العالم لمجيئه (يوحنا 1: 11) بالرغم من أن العهد القديم بأكمله كان يشير الى مجيئه. وهنا تظهر مأساة الرفض. أَمَّا الذين قبلوا يسوع المسيح رباَ ومخلصاً فقد وُلدوا ثانية ولادة روحية وأصبحوا أبناء الله لا عن طريق الولادة الجسدية بل عن طريق الولادة الروحية الجديدة من الله. إن هذه البداية الجديدة في الحياة متاحة لكل من يؤمن بالمسيح. لأنه جاء الى الارض ليهب البشرية رجاء حياته الابدية ونورها، الحياة التي لا يمكن ان تُباع او تُشترى، لكنها تُعطى كهبة لمن يريد ان يحيا على طريقة ابناء الله الذين يعيشون مستقبلا في ملكوته الابدي. وكأبناء الله يطلب منا المسيح ان نكون شهوداً على مثال يوحنا المعمدان فنعكس نور المسيح للناس ونوجِّههم الى النور الحقيقي.

رابعاً: الكلمة والتجسد: (يوحنا 1: 14-18)
“الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا “. الانبياء حملوا كلمات الله، أما “الكلمة” الذي كان في البدء فتجسَّد وصار إنساناً ودخل في الزمن ليجعل من البشر ابناء الله. انه لم يكن انسان تأله، بل كان الها تأنس. أي ان المسيح كان قبل تجسده ابن الله، كلمة الله؛ وكان بعد تجسده ابن الانسان أي ابن مريم. بعد تجسده هو ابن الله وابن الانسان معا. بولادة يسوع صار الاله بشراً، وهو لم يكن جزئياً إنساناً وجزئيا الهاً، بل هو الهاً كاملا وإنساناً كاملا كما يؤكد بولس الرسول “فِيه يَحِلُّ جَميعُ كَمالِ الأُلوهِيَّةِ حُلولا جَسَدِيًّا”(قولسي 2: 9). فيسوع لم يوجد فقط عندما وُلد، لأنه ازلي الوجود.

يُعبِّر يسوع، كلمة الله المتجسد، بميلاده عن ظهور الله السامي في قلب البشرية. فقبل مجيء المسيح لم يكن الناس يعرفون الله الا جزئيا من خلال الانبياء. أَمَّا بعد مجيء المسيح فقد كشف الله عن طبيعته وجوهره بطريقة يمكن رؤيتها ولمسها، لأنه في المسيح صار الله انسانا يحيا على الارض فمكَّن الناس من معرفته الله بالكامل، لأنه صار ملموسا ومرئيا لهم في المسيح. إن المسيح هو التعبير الكامل لله في صورة بشرية. وعليه إن “الكلمة” الذي كان عند الله، حلّ بين البشر ليعلمنا كيف يفكر الله، وبالتالي كيف ينبغي علينا ان نفكر نحن؛ جاء بيننا ليكون قدوة لِمَا ينبغي ان نصيرَ عليه، فهو يُرينا كيف نحيا ويعطينا القوة ان نحيا بنفس الطريقة “ترَكَ لَكم مِثالاً لِتقتَفوا آثارَه” (1بطرس 2: 21)

واخيراً جاء بيننا ليقدم نفسه ذبيحة عن كل الخطايا “وقَد حَقَّقَ السَّلامَ بِدَمِ صَليبِه لِيَجعَلَنا في حَضرَتِه قِدِّيسينَ لا يَنالُنا عَيبٌ ولا لَوم”(قولسي 1: 20). فإذا كان موسى يُركز على شريعة الله وعدله، فالمسيح يركّز على رحمة الله ومحبته وغفرانه “فمِن مِلْئِه نِلْنا بِأَجمَعِنا وقَد نِلْنا نِعمَةً على نِعمَة”. وهو لا يزال يرافقنا على مرِّ الاجيال ويتواجد في جميع مرافق حياتنا.

الكلمة المتجسد هو الآن مسيح التاريخ بذاته. إنه اتخذ لنفسه جسداً بشرياً حقيقياً وليس جسدا ظاهريا فقط كما تدَّعي البدعة الظاهريّة (دوسيتيّة) التي أنكرت واقع التجسّد. إنه سكن وسط البشر، أَمَّا جلاله الالهي وقوته فقد أصبحا محجوبين في جسد. وقد ادَّى يوحنا المعمدان شهادة شاهد عيان عن مجد هذا “الكلمة” المتجسد. وهكذا لم يعد الله مَخفيا بل أصبح الآن معروفاً عن طريق تجسد ابنه الذي هو نور العالم. فيسوع المسيح هو التفسير الكامل لله. ومن هنا يبدأ يوحنا انجيله ويختتمه معلنا ان الكلمة المتجسد يسوع المسيح هو الله. في بدء انجيله يعلن ان “الكَلِمَةُ هوَ الله ” (يوحنا 1: 1)، ويؤكد ذلك في آخر إنجيله بشهادة توما أحد الاثني عشر رسولا بقوله ” رَبِّي وإِلهي! ” (يوحنا 20: 28). وهكذا تلخص هاتان العبارتان إنجيل يوحنا. فيسوع بصفته الابن الازلي هو التعبير التام عن الآب، ” هو صُورَةُ اللهِ الَّذي لا يُرى “(قولسي 1: 15) “هو شُعاعُ مَجْدِه وصُورةُ جَوهَرِه” (عبرانيين 1: 3). ولأنه ابن الله قبل ان يكون ابن الانسان، فهو الحياة، لكل من يؤمن به ويتبعه، وهو النور للكل من يعتنق طريقه ويهتدي به، عندئذ يكون قد وُلد من الله حقا.

ان النظرة اللاهوتية للقديس يوحنا انطلقت من تجربة عاشها وتأمل فيها طويلا ” ذاك الَّذي كانَ مُنذُ البَدْء ذاك الَّذي سَمِعناه ذاك الَّذي رَأَيناهُ بِعَينَينا ذاكَ الَّذي تَأَمَّلناه ولَمَسَتْه يَدانا مِن كَلِمَةِ الحَياة” (1 يوحنا 1:1) وحاول تحت قيادة الروح القدس ان يُعبر عن عمقها الذي لا يدرك كما صرّح يسوع السميح ” المُؤَيِّد، الرُّوحَ القُدُس الَّذي يُرسِلُه الآبُ بِاسمي هو يُعَلِّمُكم جَميعَ الأشياء ويُذَكِّرُكُم جَميعَ ما قُلتُه لَكم “(يوحنا 14: 26)؛ وتتلخص نظرته في شخص يسوع المسيح، أبن الله الذي ارسله الآب ومنحه للناس لينقل إليهم النور والحياة ” لأَنَّ الحَياةَ ظَهَرَت فرَأَينا ونَشهَد ونُبَشِّرُكمِ بِتلكَ الحَياةِ الأَبدِيَّةِ الَّتي كانَت لَدى الآب فتَجلَّت لَنا ذاكَ الَّذي رَأَيناه وسَمِعناه ,نُبَشِّرُكم بِه أَنتم أَيضًا لِتَكونَ لَكَم أَيضًا مُشاركَةٌ معَنا ومُشاركتُنا هي مُشاركةٌ لِلآب ولاَبنِه يسوعَ المسيح” (1يوحنا 1: 2- 3).فماذا يترتب علينا ان نعمل؟ ان يوحنا البشير يُبين لنا ذلك: ان نفتح قلبنا ليسوع المسيح، ولكلامه، وآياته، ونقرأ شهادة الذي رأى كلمة الحياة، وسمعها ولمسها ونتأمل بها (1 يوحنا 1: 1). وهكذا ندخل في انجيله وتتحوّل أرضنا طريقا إلى سماء.

خلاصة:

مقدمة يوحنا الإنجيلي هي مختصر انجيله من حيث ان يسوع هو “كلمة الله. فقد تكلم الله، وكشف ذاته للبشر، في يسوع المسيح. يوُبيِّن يوحنا الانجيلي، كواحد من الاثني عشر رسولا، وشاهد عيان، الى المؤمنين في كل مكان ان يسوع المسيح هو إنسان كامل واله كامل. فبرغم من أنَّ يسوع اتِّخذ الناسوت كاملا وعاش كإنسان، إلا أنَّه لم يكفَّ ابداً عن ان يكون الله الابدي الازلي الكائن على الدوام، وخالق الكون، ومصدر الحياة الابدية. ولأنه الله فهو قادر على ان يُخبرنا عن نفسه بوضوح. وعليه يمكننا ان نثق في كل ما يقوله. وبالثقة فيه نكتسب معرفة لفهم رسالة الله واتمام مخططه في حياتنا. وعندئذ يتمجّد المسيح الإله بالإنسان، وكلّ إنسانٍ حيٍّ مدعوٌّ ليحقّق ذاته بكلّ أبعادها الروحية والمادّية، الثقافية والاجتماعية، الاقتصادية والوطنية، فيكون مجدَ الله.

فان لم نؤمن بهذه الحقيقة الاساسية فلن يكون لدينا ثقة ان نسلم حياتنا وابديتنا إليه. وهذا ما دعا يوحنا لكتابة انجيله لنشر الايمان والثقة في يسوع المسيح، لكي نؤمن انه حقا كان الله في الجسد كما قال “وإِنَّما كُتِبَت هذه لِتُؤمِنوا بِأَنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله، ولِتَكونَ لَكم إِذا آمَنتُمُ الحياةُ بِاسمِه.” (يوحنا 20: 31).

الدعاء
أيها الآب السماوي، يا من أرسلت ابنك الوحيد الى العالم، ليتضامن معه بتجسُّده، امنحنا ان نقبله في قلوبنا وعائلاتنا ونؤمن به مسيحا سكن بيننا فننال الحياة الأبدية

قصة واقعية
يُقال عن فرانسيس جونيوس (1591 -1677) كان رائدا في علم اللغة الالمانية وكان اول من جمع من المخطوطات القديمة اتي حفظت في جامعة أوكسفورد. وقد فقد كل القيم الدينية في شبابه، لكنه استعادها بنعمة الله خلال قراءته لمقدمة أنجيل يوحنا عن غير قصدٍ منه، عندما قدَّمها له والده. شعر بقوتها وسلطانها عليه فقضى يومه كله لا يُدرك أين هو ولا ما كان يفعله، وكان جسمه مرتعبًا. وكان ذلك اليوم هو بداية حياته الروحية.